فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الشعراوي:

{وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (12)}.
ونعلم أن الليل والنهار آيتان واضحتان؛ والليل يناسبه القمر، والنهار تناسبه الشمس، وهم جميعًا متعلقون بفعل واحد، وهم نسق واحد، والتسخير يعني قَهْر مخلوق لمخلوق؛ لِيُؤدِّي كُلٌّ مهمته، وتسخير الليل والنهار والشمس والقمر؛ كُلٌّ له مهمة، فالليل مُهِمته الراحة.
قال الحق سبحانه: {وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اليل والنهار لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَلِتَبتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [القصص: 73].
والنهار له مهمة أنْ تكدحَ في الأرض لتبتغي رِزْقًا من الله وفَضْلًا، والشمس جعلها مصدرًا للطاقة والدِّفْء، وهي تعطيك دون أنْ تسألَ، ولا تستطيع هي أيضًا أن تمتنعَ عن عطاء قَدَّره الله.
وهي ليست مِلْكًا لأحد غير الله؛ بل هي من نظام الكون الذي لم يجعل الحق سبحانه لأحد قدرةً عليه، حتى لا يتحكَّم أحدٌ في أحدٍ، وكذلك القمر جعل له الحق مهمة أخرى.
وإياك أنْ تتوهَم أن هناك مهمة تعارض مهمة أخرى، بل هي مهام متكاملة، والحق سبحانه هو القائل: {والليل إِذَا يغشى والنهار إِذَا تجلى وَمَا خَلَقَ الذكر والأنثى إِنَّ سَعْيَكُمْ لشتى} [الليل: 1-4].
أي: أن الليل والنهار وإنْ تقابلا فليسَا متعارضين؛ كما أن الذكر والأنثى يتقابلان لا لتتعارض مهمة كل منهما بل لتتكامل.
ويضرب الحق سبحانه المثل لِيُوضّح لنا هذا التكامل فيقول: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ الله عَلَيْكُمُ النهار سَرْمَدًا إلى يَوْمِ القيامة مَنْ إله غَيْرُ الله يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفلاَ تُبْصِرُونَ} [القصص: 72].
وأيُّ إنسان إنْ سهر يومين متتابعين لا يستطيع أنْ يقاومَ النوم؛ وإن أدَّى مهمة في هذين اليومين؛ فقد يحتاج لراحة من بعد ذلك تمتدُّ أسبوعًا؛ ولذلك قال الله: {وَجَعَلْنَا اليل لِبَاسًا وَجَعَلْنَا النهار مَعَاشًا} [النبأ: 10-11].
والإنسان إذا ما صلَّى العشاء وذهب إلى فراشه سيستيقظ حَتْمًا قبل الفجر وهو في قِمّة النشاط؛ بعد أنْ قضى ليلًا مريحًا في سُبَاتٍ عميق؛ لا قلقَ فيه.
ولكن الإنسان في بلادنا استورد من الغرب حثالة الحضارة من أجهزة تجعله يقضي الليل ساهرًا، ليتابع التليفزيون أو أفلام الفيديو أو القنوات الفضائية، فيقوم في الصباح مُنْهكًا، رغم أن أهل تلك البلاد التي قدَّمتْ تلك المخترعات؛ نجدهم وهم يستخدمون تلك المخترعات يضعونها في موضعها الصحيح، وفي وقتها المناسب؛ لذلك نجدهم ينامون مُبكِّرين، ليستيقظوا في الفجر بهمَّة ونشاط.
ويبدأ الحق سبحانه جملة جديدة تقول: {والنجوم مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ} [النحل: 12].
نلحظ أنه لم يَأْتِ بالنجوم معطوفةً على ما قبلها، بل خَصَّها الحق سبحانه بجملة جديدة على الرغم من أنها أقلُّ الأجرام، وقد لا نتبيَّنها لكثرتها وتعدُّد مواقعها ولكِنَّا نجد الحق يُقسِم بها فهو القائل: {فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النجوم وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ} [الواقعة: 75-76].
فكلُّ نجم من تلك النجوم البعيدة له مُهمة، وإذا كنتَ أنت في حياتك اليومية حين ينطفيء النور تذهب لترى: ماذا حدث في صندوق الأكباس الذي في منزلك؛ ولكنك لا تعرف كيف تأتيك الكهرباء إلى منزلك، وكيف تقدَّم العلم ليصنعَ لك المصباح الكهربائي.
وكيف مدَّتْ الدولة الكهرباء من مواقع توليدها إلى بيتك.
وإذا كنتَ تجهل ما خَلْف الأثر الواحد الذي يصلك في منزلك، فما بالك بقول الحق سبحانه: {فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النجوم} [الواقعة: 75].
وهو القائل: {وَعَلامَاتٍ وبالنجم هُمْ يَهْتَدُونَ} [النحل: 16].
وقد خصَّها الحق سبحانه هنا بجملة جديدة مستقلة أعاد فيها خبر التسخير، ذلك أن لكلٍّ منها منازلَ، وهي كثيرة على العَدِّ والإحصاء، وبعضها بعيد لا يصلنا ضوؤه إلا بعد ملايين السنين.
وقد خصَّها الحق سبحانه بهذا الخبر من التسخير حتى نتبينَ أن لله سرًا في كل ما خلق بين السماء والأرض.
ويريد لنا أن نلتفتَ إلى أن تركيبات الأشياء التي تنفعنا مواجهةً وراءها أشياء أخرى تخدمها.
ونجد الحق سبحانه وهو يُذيِّل الآية الكريمة بقوله: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [النحل: 12].
ونعلم أن الآيات هي الأمورُ العجيبة التي يجب ألاَّ يمرَّ عليها الإنسان مرًا مُعرِضًا؛ بل عليه أنْ يتأملَها، ففي هذا التأمل فائدة له؛ ويمكنه أنْ يستنبطَ منها المجاهيل التي تُنعِّم البشر وتُسعِدهم.
وكلمة {يَعْقِلُونَ} تعني إعمالَ العقل، ونعلم أن للعقل تركيبةً خاصة؛ وهو يستنبط من المُحسّات الأمورَ المعنوية، وبهذا يأخذ من الملوم نتيجةً كانت مجهولةً بالنسبة له؛ فيَسعد بها ويُسعد بها مَنْ حوله، ثم يجعل من هذا المجهول مقدمةً يصل بها إلى نتيجة جديدة.
وهكذا يستنبط الإنسان من أسرار الكون ما شاء له الله أنْ يستنبطَ ويكتشف من أسرار الكون.
ويقول الحق سبحانه من بعد ذلك: {وَمَا ذَرَأَلَكُمْ فِي الأرض}.
وكلمة {ذَرَأَ} تعني أنه خلق خَلْقًا يتكاثر بذاته؛ إما بالحَمْل للأنثى من الذَّكَر؛ في الإنسان أو الحيوان والنبات؛ وإما بواسطة تفريخ البيض كما في الطيور.
وهكذا نفهم الذَّرْءَ بمعنى أنه ليس مطلقَ خَلْق؛ بل خلق بذاته في التكاثر بذاته، والحق سبحانه قد خلق آدم أولًا، ثم أخرج منه النسل ليتكاثر النسلُ بذاته حين يجتمع زوجان ونتجا مثيلًا لهما، ولذلك قال الحق سبحانه: {فَتَبَارَكَ الله أَحْسَنُ الخالقين} [المؤمنون: 14].
وهكذا شاء الحق سبحانه أن يفيض على عباده بأن يُعطِيهم صفة أنهم يخلقون، ولكنهم لا يخلقون كخَلْقه؛ فهو قد خلق آدم ثم أوجدهم من نسله، والبشر قد يخلقون بعضًا من مُعِدات وأدوات حياتهم، لكنهم لا يخلقون كخَلْق الله؛ فهم لا يخلقون من معدوم؛ بل من موجود، والحق سبحانه يخلق من المعدوم مَنْ لا وجود له؛ وهو بذلك أحسَنُ الخالقين.
والمَثل الذي أضربه دائمًا هو الحبة التي تُنبِت سبْعَ سنابل وفي كل سُنْبلة مائة حَبّة؛ وقد أوردها الحق سبحانه ليشوِّق للإنسان عملية الإنفاق في سبيل الله، وهذا هو الخَلْق الماديّ الملموس؛ فمن حَبَّة واحدة أنبت سبحانه كل ذلك.
وهنا يقول الحق سبحانه: {وَمَا ذَرَأَلَكُمْ فِي الأرض مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ} [النحل: 13].
أي: ما خلق لنا من خَلْق متكاثر بذاته تختلف ألوانه، واختلاف الألوان وتعدُّدها دليل على طلاقة قدرة الله في أن الكائنات لا تخلق على نَمَطٍ واحد.
ويعطينا الحق سبحانه الصورة على هذا الأمر في قوله سبحانه: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله أنزَلَ مِنَ السماء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الجبال جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ وَمِنَ الناس والدوآب والأنعام مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى الله مِنْ عِبَادِهِ العلماء إِنَّ الله عَزِيزٌ غَفُورٌ} [فاطر: 27-28].
وأنت تمشي بين الجبال، فتجدها من ألوان مختلفة؛ وعلى الجبل الواحد تجد خطوطًا تفصل بين طبقاتٍ مُتعدّدة، وهكذا تختلف الألوان بين الجمادات وبعضها، وبين النباتات وبعضها البعض، وبين البشر أيضًا.
وإذا ما قال الحق سبحانه: {إِنَّمَا يَخْشَى الله مِنْ عِبَادِهِ العلماء} [فاطر: 28].
فلَنا أن نعرفَ أن العلماء هنا مقصودٌ بهم كُلّ عالم يقف على قضية كونية مَرْكوزة في الكون أو نزلتْ من المُكوِّن مباشرة.
ولم يقصد الحق سبحانه بهذا القول علماء الدين فقط، فالمقصود هو كل عالم يبحث بحثًا ليستنبط به معلومًا من مجهول، ويُجلّي أسرار الله في خلقه، وقد أراد صلى الله عليه وسلم أن يفرق فَرْقًا واضحًا في هذا الأمر، كي لا يتدخل علماء الدين في البحث العلميّ التجريبيّ الذي يفيد الناس، ووجد صلى الله عليه وسلم الناس تُؤبّر النخيل؛ بمعنى أنهم يأتون بطَلْع الذُّكورة؛ ويُلقِّحون النخيل التي تتصف بالأنوثة، وقال: لو لم تفعلوا لأثمرتْ.
ولما لم تثمر النخيل، قَبِل رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمر؛ وأمر بإصلاحه وقال القولة الفصل «أنتم أعلم بشئون دنياكم».
أي: أنتم أعلم بالأمور التجريبية المعملية، ونلحظ أن الذي حجز الحضارة والتطوُّر عن أوربا لقرون طويلة؛ هو محاولة رجال الدين أنْ يحجُروا على البحث العلمي؛ ويتهموا كُلَّ عالم تجريبيّ بالكفر.
ويتميز الإسلام بأنه الدين الذي لم يَحُلْ دون بَحْث أي آية من آيات الله في الكون، ومن حنان الله أنْ يُوضِّح لخَلْقه أهمية البحث في أسرار الكون، فهو القائل: {وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي السماوات والأرض يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ} [يوسف: 105].
أي: عليك أيُّها المؤمن ألاَّ تُعرِض عن أيِّ آية من آيات الله التي في الكون؛ بل على المؤمن أنْ يُعمِلَ عقله وفِكْره بالتأمُّل ليستفيد منها في اعتقاده وحياته. يقول الحق: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفاق وفي أَنفُسِهِمْ حتى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الحق} [فصلت: 53].
أما الأمور التي يتعلَّق بها حساب الآخرة؛ فهي من اختصاص العلماء الفقهاء.
ويذيل الحق سبحانه الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ} [النحل: 13]. اهـ.

.التفسير المأُثور:

قال السيوطي:
{وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ (9)}.
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن ابن عباس في قوله: {وعلى الله قصد السبيل} يقولون البيان {ومنها جائر} قال الأهواء المختلفة.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم، عن ابن عباس {وعلى الله قصد السبيل} يقول: على الله يبين الهدى والضلالة، {ومنها جائر} قال السبيل المتفرقة.
واخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن مجاهد في قوله: {وعلى الله قصد السبيل} قال طريق الحق على الله.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن قتادة في قوله: {وعلى الله قصد السبيل} قال: على الله بيان حلاله وحرامه وطاعته ومعصيته {ومنها جائر} قال: على السبيل ناكب عن الحق وفي قراءة ابن مسعود {ومنكم جائر}.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن الأنباري في المصاحف، عن علي أنه كان يقرأ هذه الآية {فمنكم جائر}.
وأخرج ابن جرير، عن ابن زيد في قوله: {وعلى الله قصد السبيل} قال طريق الهدى، {ومنها جائر} قال: من السبل جائر عن الحق، وقرأ: {ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله} [الأنعام: 153]. {ولو شاء لهداكم أجمعين} لقصد السبيل الذي هو الحق وقرأ: {ولو شاء ربك لأمن من في الأرض كلهم جميعًا} [يونس: 99]. {ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها} [السجدة: 13]، والله أعلم.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن ابن عباس في قوله: {فيه تسيمون} قال ترعون فيه أنعامكم.
وأخرج الطستي، عن ابن عباس، أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله عز وجل: {فيه تسيمون} قال فيه ترعون. قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم أما سمعت الأعشى وهو يقول:
ومشى القوم بالعماد إلى الدو ** حاء أعماد المسيم بن المساق

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن قتادة في قوله: {وما ذرأ لكم في الأرض} قال ما خلق لكم في الأرض مختلفًا: من الدواب، والشجر، والثمار. نعم من الله متظاهرة، فاشكروها لله عز وجل، والله أعلم بالصواب. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
{سَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (12)}.
وقد تقدَّم خلافُ القراء في رفع {الشمس} وما بعدها ونصبِها، وتوجيهُ ذلك في سورة الأعراف.
قوله تعالى: {وَمَا ذَرَأَ} عطفٌ على {الليل} قاله الزمخشري يعني ما خَلَقَ فيها من حيوانٍ وشَجَر، وقال أبو البقاء: في موضعِ نصبٍ بفعلٍ محذوف، أي: وخَلَقَ وأَنْبَتَ. كأنه استبعد تَسلُّطَ {سَخَّر} على ذلك فقدَّر فعلًا لائقًا، و{مختلفًا} حالٌ منه، و{ألوانُه} فاعلٌ به.
وخَتَمَ الآيةَ الأولى بالتفكُّر؛ لأنَّ ما فيها يحتاج إلى تأمُّلٍ ونَظَر، والثانيةَ بالعقل؛ لأنَّ مدارَ ما تقدَّم عليه، والثالثةَ بالتذكُّر؛ لأنه نتيجةُ ما تقدَّمَ، وجَمَعَ {آيات} في الثانية دونَ الأولى والثالثةِ؛ لأنَّ ما نِيْطَ بها أكثرُ، ولذلك ذَكَرَ معها العقلَ. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
قوله جلّ ذكره: {وَسَخَّرَ لَكُمُ الليْلَ وَالنَّهَارَ}.
الليل والنهار ظرفا الفعل، والناس في الأفعال مختلفون: فموفَّقُ ومخذول؛ قالموفَّق يجري وقته في طاعة ربه، والمخذول يجري وقته في متابعة هواه.
العابد، يكون في فَرْضِ يقيمه أو نَفْلٍ يديمه، والعارف في ذكره وتحصيل أوراده بما يعود على قلبه فيؤنسه، وأما أرباب التوحيد فهم مُخْتَطَفُون عن الأحيان والأوقات بغلبة ما يَرِدُ عليهم من الأحوال كما قيل:
لستُ أدري أطال لَيْلِي أم لا ** كيف يدري بذاك مَنْ يَتَقَلَّى؟

لو تَفَرَّغْتُ لاستطالة لَيْلِي ** ورعيت النجومَ كنت مُخِلاَّ

قوله جلّ ذكره: {وَالشَّمْسَ وَالقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتُ بِأَمْرِهِ إِنَّ في ذَلِكَ لأَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}.
هذا في الظاهر، وفي الباطن نجوم العلم وأقمار المعرفة وشموس التوحيد.
{وَمَا ذَرَأَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (13)}.
أقوامٌ خَلَقَ لهم في الأرض الرياضَ والغياض، والدور والقصور، والمساكن والمواطن، وفنون النِّعم وصنوف القِسَم.، وآخرون لا يقع لهم طير على وكر، ولا لهم في الأرض شِبْر؛ لا ديار تملكهم، ولا علاقة تُمْسِكُهُم- أولئك ساداتُ الناس وضياء الحق. اهـ.